لم يتخيّل عبد العزيز العقاب أن تتحوّل نزهة مع الأسرة إلى مأساة سيعاني تداعياتها طويلاً، بعدما فقد 21 فرداً من عائلته جراء انفجار لغم في وسط سوريا التي تُسجل العدد الأكبر من ضحايا مخلفات الحرب عالمياً.
يقول العقاب (41 عاماً) «كان نهار فرح وتحوّل إلى مأساة، حتى بتّ أكره الخروج للتنزه». ويروي الوالد لعشرة أطفال كيف أن «الناس يشعرون دائماً بالخطر من قاتل مجهول لا يعرفون مكانه».
من نزهة إلى كارثة
ذات يوم في شباط/فبراير 2019، استعدت عائلة العقاب وبعض الأقارب للخروج في نزهة انطلقت من مسقط رأسهم في قرية السعن في ريف حماة في وسط البلاد. لكنّ النزهة غيّرت حياة العائلة الكبيرة إلى الأبد. إذ قضى 21 فرداً منها، بينهم زوجة العقاب واثنان من أبنائه وأربعة من أشقائه وشقيقاته وعمّه. وأصيب آخرون إصابات حرجة، منهم من بات مقعداً ومنهم من بُترت أطرافه. ويقول العقاب الذي ارتدى جلباباً أبيض اللون ووضع نظارة شمسية أثناء تجوله برفقة أبناء أشقائه الأيتام، «عائلة بالكامل دُمرت». ويضيف متحسراً «لم تكن هناك معارك أو حرب عام 2019، لكن الموت كان ينتظرنا من داخل الأرض، هذا هو قدرنا». ويشرح بحزن «في الحرب تعرف عدوك من صديقك، تعرف أين يوجد أعداء مسلحون ولا تقترب منهم، أما اللغم فعدو خفي لا تعرف مكانه». منذ عام 2015، وثّقت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام مقتل أو إصابة 15 ألف شخص جراء الذخائر المتفجرة، بما يعادل مقتل أو إصابة خمسة أشخاص يومياً. ويقول مدير الدائرة في سوريا حبيب الحق جاويد «إنه رقم ضخم»، مضيفاً «تُسجّل سوريا اليوم أكبر عدد من الضحايا جراء الذخائر المتفجرة عالمياً». ووفق الأمم المتحدة، يعيش «حوالى 10,2 مليون شخص في مناطق ملوثة بالذخائر المتفجرة»، وهو «ما يجعل سورياً واحداً من كل اثنين يعيشان في خطر جراء مخلفات الحرب»، بحسب جاويد.
عمليات تنظيف
بشكل شبه يومي، تعلن السلطات السورية تفجير ذخائر وعبوات ناسفة من مخلفات الحرب خصوصاً في محيط العاصمة.
إضافة إلى الجهود المبذولة في مناطق سيطرة الحكومة، تشهد مناطق خارج سيطرتها مبادرات للتصدي لخطر مخلفات الحرب.
في شمال غربي سوريا، تنهمك فرق من الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل) بمسح وإزالة الذخائر وإقامة ورش توعية حول مخاطرها. وتعكس بلدة داريا التي شكلت معقلاً للفصائل المسلحة بين عامي 2012 و2016 في الغوطة الغربية قرب دمشق، مدى عمق المشكلة، إذ سجلت، وفق الأمم المتحدة، درجة كبيرة من التلوث بالذخائر المتفجرة، ما أثّر أيضاً على الأراضي الزراعية. وشهدت داريا أول عملية تنظيف في منطقة تحت سيطرة الحكومة. وفي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوبي دمشق الذي سيطرت عليه فصائل مسلحة قبل تسلل تنظيم «داعش» إليه عام 2015 حتى عام 2018، تبين وجود ذخائرغير متفجرة في حوالى مئتي مبنى من أصل ستة آلاف جرى مسحها.
قطع أوصالنا
وتواجه الأمم المتحدة تحدياً رئيسياً يكمن في محدودية التمويل. ويقول جاويد:نحتاج للدعم اللازم من الجهات الفاعلة كافة، عاجلاً وليس آجلاً. عام 2017، خرجت زكية البوشي مع ثمانية من أفراد عائلتها لجمع الكمأة في بلدة دير حافر في ريف حلب الشرقي، ليعود ثلاثة منهم فقط. وأثناء سيرهم في منطقة صحراوية، رصد شقيق زكية لغماً أرضياً ما مكّن أفراد العائلة من تفاديه، إلا أن لغماً آخر مخفياً كان لهم بالمرصاد. وتتكرر حوادث انفجار الألغام بالمدنيين خلال موسم الكمأة مع انصراف كثير من الأهالي إلى جمعها في مناطق صحراوية شاسعة خضعت لفترة لسيطرة تنظيم «داعش» الذي اعتمد زراعة الألغام كاستراتيجية أساسية خلال سنوات سيطرته، حتى أنه اعتاد تفخيخ أبنية وسيارات وأدوات منزلية وعبوات غذائية. وتقول زكية (47 عاماً) التي خسرت والدتها وشقيقها وفقدت ابنتها القدرة على النطق جراء انفجار اللغم، بحسرة «قطع اللغم أوصالنا».
(ا ف ب)