فيلم “تطبيق الزواج”.. المودة وسيلة للربح السريع | فن

بعض قصص الحب تكون حكايات تمهيدية للزواج، لذلك من الصعب أن تجد فيلما سينمائيا يخلو منها، إلا أن الأعمال التي تناولت الزواج نفسه قليلة للغاية، مقارنة بالكم الهائل من الإنتاج السينمائي في العالم.

وتتنوع معالجات قصص الحب في السينما بتنوع الموضوعات الدرامية نفسها، لكن معالجات الزواج تنحو باتجاه الكوميديا، والقليل جدا منها يتجه نحو الميلودراما، خاصة حين يداخل أحد الطرفين الشك أو حين يصادف أحد الزوجين خيانة من الآخر.

ومن أشهر الأفلام التي عالجت قصص الزواج فيلم “قصة زواج” Marriage Story) 2019) للمخرج نوح بومباخ وبطولة سكارليت جوهانسون وآدم درايفر. واستند بومباخ إلى تجربته الخاصة في صناعة العمل الذي يتأمل تفاصيل انهيار علاقة زوجية بين زوجين يصر كل منهما على الحفاظ على العائلة.

أما المخرج النمساوي وأسطورة السينما الأوروبية مايكل هاينيكه فقدم فيلم “حب” 2012 (Amour) الذي يختبر فيه مشاعر الحب والحفاظ على ذكريات السنين من خلال زوجين تجاوزا الـ80، وتصاب الزوجة بمرض يفقدها قدراتها العقلية، ويدرك الزوج أن عليه أن يرعاها وأن يحافظ على كرامتها حتى اللحظة الأخيرة.

ويقدم المخرج والممثل الأرجنتيني فيلمه “تطبيق الزواج” (Marriage App) الذي يعرض حاليا على شاشة نتفليكس، ويكشف عن مجتمع مختلف تماما عن سابقيه في النمسا والولايات المتحدة الأميركية، حيث منح التحول الديمقراطي عام 1983 المرأة الأرجنتينة حقوقا متساوية إلى حد كبير مع حقوق الرجل، ولكن ذلك التغيير الاجتماعي تبعته اضطرابات في الوعي بالذات والآخر.

أزمة زواج

وتدور أحداث “تطبيق الزواج” بين فريدريك (خوان مينوجين) وبيلين (لويزانا لوبيلاتو) اللذين يلتقيان نتيجة حادث سيارة، ويقرر الشاب الذي يدرس طب الأسنان ويحب الطبخ أن تكون بيلين زوجته، ويدفع تكاليف إصلاح باب سيارتها الذي حطمه.

بعدما يقرب من 14 عاما من الزواج، وبعد إنجاب طفلين على أبواب المراهقة، تتراكم المشكلات التي نتجت عن الاختلافات الواضحة بينهما، فبيلين لا تجيد الطبخ لكنها جادة وملتزمة ومنظمة، بينما يعيش فريدريك على سجيته، ولا يلتزم بدوره في الأسرة، ولا يلتزم بعمله في عيادة والده لطب الأسنان.

تتصاعد الأزمة، وبينما يقرران مقابلة شقيقتها وزوجها اللذين يعانيان من أزمة مشابهة تحدث المفاجأة، لقد انتهت مشكلاتهما وتوقف التوتر بينهما وأصبحا يحبان بعضهما أكثر، وكشفا أنهما يستخدمان تطبيقا لحل المشاكل الزوجية.

يذهب فريدريك وبيلين إلى الشركة ويشتركان بالفعل في التطبيق الذي يمنح الشخص أميالا للسفر مقابل عمله الجيد تجاه شريكه ويخصم منه في حالة الإساءة.

رغم جدية الأزمة، فإن المعالجة الكوميدية جاءت مقبولة إلى حد كبير في العمل، خاصة أنها اعتمدت على المفارقة البصرية لا اللفظية فقط، وتميز البطلان الرئيسان بخفة روح اتفقت تماما والمونتاج الرشيق والدقيق والإخراج الذي حرص على تتابع مشاهد المفارقات بشكل جعل البطلين يجسدانها تماما.

يبدو المخرج غير منحاز لطرف على حساب آخر على اعتبار أن نقطة التحول التي أفسدت عمل التطبيق وحولته إلى سباق ساخن للحصول على الأميال هي عدم مراعاة كون الأفعال الجيدة مقصودة بالفعل أو مجرد خداع للطرف الآخر، ورغم ذلك فإن ثمة تحاملا لمصلحة الزوجة التي بدت كأنها دخلت اللعبة بلا حسابات.

لم يرهق كل من غابرييل كورينفيلد وروسيو بلانكو -كاتبا السيناريو- نفسيهما في بناء الشخصيات المحيطة بالبطلين، ولا حتى الأصدقاء الذين كان لهم الدور الحاسم في تحويل مسار اللعبة من الجدية إلى الهزل، لكن الكاتبين امتلكا بالفعل فكرة حقيقية كان تطويرها كفيلا بصناعة فيلم جيد، حتى لو كان كوميديا.

تقنين الحب

جاء المجاز الذي بدأ به الفيلم كوميديا للغاية حين يصور الزواج كما لو كان حادث سيارة، إذ تصدم سيارة فريديريك المشغول بمكالمة تليفونية الباب المفتوح لسيارة بيلين، فيتزوجان. وكان الشاب قد وعد بدفع كل مصاريف إصلاح الباب، لكنه لم يعد يتذكر مواعيد دفع فواتير المنزل وأقساط التأمين على السيارات ولا يقوم بالطبخ في المنزل، ويفاجئنا المخرج بمشهده وهو يقوم بالطهي مع أصدقائه، ويستمتعون بالطعام، بينما تحاول الزوجة المسكينة العثور على طعام في المنزل، فلا تجد إلا معكرونة مطهوة بشكل سيئ. النتيجة إذن لم تكن مجرد تحطم باب سيارة، وإنما أزمة لصاحبة السيارة، ظلت تعاني منها طوال العمر.

حين يأتي دور تطبيق الزواج يصل الفيلم إلى ذروته في التعاطي مع القيم الإنسانية لا الاجتماعية في الأرجنتين فقط.

يتطلع الفيلم إلى إحالة “المودة الزوجية” إلى فعل فردي هدفه الأساسي تجاوز الحالة الزوجية إلى الاستمتاع بالحياة كل وحده بعيدا عن شريكه، فالتطبيق يمنح الأميال كجوائز للطرف الجيد ليستمتع وحده بعيدا عن الطرف الآخر.

صنع التطبيق (الخيالي) معياره الخاص للشخص الجيد وللسلوك الصالح مع الطرف الآخر، لكنه لم ينجح في الكشف عن الدوافع لذلك السلوك ولم يدرك صانعوه أو صانعو الفيلم أن المشاعر والاستجابة السلوكية تحولت إلى أهداف بحد ذاتها، وأن افتعال السلوك الجيد هو تكريس لنفاق اجتماعي سوف يؤدي في النهاية إلى تخريب العلاقة.

الأطفال

ظل الطفلان مراقبين لا يظهر منهما أي رد فعل إلى أن جاء الاتصال من المدرسة التي كشف مديرها أن الابنة تصور الأب والأم سرا، وتبث القصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبدلا من التعامل الموقف يتسابق الزوجان للحصول على أميال جديدة مقابل حل المشكلة والتنبيه على الابنة ألا تفعل ذلك الأمر ثانية.

انعكس سلوك الأب والأم المتمثل في السماح لتطبيق رقمي بالتجسس على مشاعرهما، وإبلاغ الشركة -التي تتلقى وتحدد المكافآت- عن الابنة التي رأت أن هذا الكشف أو الفضح لا يقارن به ما فعلته من بث على الهواء لسلوك الأب والأم في المنزل.

ورغم الحالة المغرقة في “الحداثة”، يبدو أن صناع الفيلم اقتربوا من النتيجة المنطقية لفضح العلاقات الإنسانية، والتقنين المفسد للسلوك والمشاعر، فآثروا دفع البطلين إلى التخلص من التطبيق والبدء من جديد في محاولة أخرى لإصلاح باب السيارة الذي حطمه حادث زواج.