يعد الاستهلاك الغرض النهائي لأي نشاط اقتصادي في المجتمعات الإنسانية كافة، أو هو الطريقة التي تقوم من خلاله الأسرة بأنفاق نقودها لقاء حصولهم على حاجاتهم الأساسية، وتعرف الثقافة الاستهلاكية بأنها (مجموعة المعاني الرموز والصور المصاحبة لعملية الاستهلاك).ومع ارتفاع تكاليف المعيشة أصبحت الأسرة في مجتمعنا بحاجة ماسة إلى تنظيم دخلها وتحديد الأولويات ومعرفة البدائل المناسبة لها، لأن كل ذلك سيساعدها على ترشيد الاستهلاك بطريقة مناسبة وصحيحة، لكن على العكس من ذلك أصبح الكثير من أفراد المجتمع اليوم يقترض أو يلجأ إلى وسائل مختلفة للحصول على موارد مادية إضافية لتغطية حاجاتهم الاستهلاكية الضرورية وغير الضرورية، وبالتالي فأن أفراد المجتمع بحاجة إلى ثقافة استهلاكية إيجابية تساعدهم للتهيء لأي تحولات اقتصادية مستجدة، وخاصة مع انتشار قيم اجتماعية جديدة من مثل الإنفاق المبالغ فيه على الكماليات والمظاهر الاجتماعية والغير ضرورية أحياناً جراء ضغط الإعلانات التجارية والبرامج التلفزيونية التي بدلت سلم الأولويات الاقتصادية للأسرة نحو الإنفاق السلبي غير المدروس، لدرجة تحول التسوق لدى البعض إلى هوس الشراء والذي يرتبط بعقدة النقص أو الإحساس بالنقص وهذا مصدره اضطرابات نفسية تدفع بالفرد إلى تعويضه من خلال الشراء بعيدا عن حاجاته الأساسية. أن الثقافة الاستهلاكية السلبية هي ثقافة مكتسبة عادة ما يرافقها التبذير غير المبرر نتيجة التسوق العشوائي غير المدروس، إذ يتم تضليل المستهلك من خلال الحملات الإعلانية الترويجية،وهذا الأسلوب العشوائي في الشراء يدفع البائعين أو من يعرضون السلع إلى رفع الأسعار، لهذا لابد من أن يعمل المجتمع على تغير ثقافته الاستهلاكية قبل المطالبة بتغير سلوك التاجر أو البائع، لأن سلوك التاجر هو ردة فعل لسلوك المستهلك وليس العكس. أن الفرد بمجتمعاتنا العربية هو مستهلك شره بطبعه بغض النظر عن إمكانياته المادية سواء كانت مرتفعة أو متوسطة أو متدنية، لأن النمط الاستهلاكي العشوائي للعائلة أصبح نوعاً من التقليد الأعمى ومصدرا للتباهي والتفاخر بين الناس. وباختصار يمكننا القول بأن ثقافة الاستهلاك جعلت الإنسان المعاصر يهتم بالمظاهر الاجتماعية لينفق كل ما يملك من أجلها ليفقد إحساسه بقيمة الأشياء والحرص على الحصول على ما هو أهم ثم المهم، بل أن هذه الثقافة أصابت البعض ليصل إلى حد المرض للحصول على ما يريد بغض النظر عن أن كانت طرق الحصول عليه حلال أم حرام، وكل ذلك كان له دورا سلبيا في القضاء على الموارد الطبيعية وارتفاع معدلات التلوث البيئي إضافة إلى مشاكل التخلص من النفايات، فضلا عن تغيير القيم والفضائل الاجتماعية، وهنا لا بد من التأكيد على دور التوجيه والتوعية والتثقيف الفكري للمجتمع حول مخاطر الاستهلاك الترفي لتعديل سلوكيات المجتمع وضبط تصرفاته نحوه، والتفريق بين ترشيد الاستهلاك وبين الاستهلاك الترفي.