مابين فرحة الولادة وحزن على الممات نسعى جاهدين لتحقيق ما يكتنز خلجاتنا من أمنيات وكلما تقدم بنا العمر تتسامى الكثير منها فنصل إلى نقطة تتلاشى فيها كل الأمنيات ساعتها نتحسر على ما استنزفناه من وقت نركض خلف سراب لا يمكننا الامساك به والأمنيات تختلف مابين شخص وٱخر كل حسب بيئته ومجتمعه وعصره طفل أو شاب أو شيخ ذكر كان أم أنثى غني وفقير حضري وبدوي.
ماذا لو فكرنا وسألنا أجدادنا الغابرين عن أمانيهم ساعتها سنضحك لأن كل ماتمنوه قديما صار شيئا هامشيا في حياتنا حتى أن حياة بعض الملوك ومعجزات بعض الرسل صارت جزأ من حياتنا ولو بعث الٱن رجل من كل قرن مضى لأصيبوا بالذعر والدهشة والجنون لما وصلت إليه الحضارة والعلم.
لكل منا أمنيات مكتنزة في أعماقه بعضها تحقق والٱخر صار مستحيلا وماتبقى في جعبتنا سوى القليل تتناسب مع ما نمتلك من وقت قصير لتحقيقها.
أعتقد أن أجيالنا الحديثة منذ مائة عام تمتلك أمنية واحدة ورثناها أبا عن جد وهي أن نحيا كباقي البشر منعمين ٱمنين في مجتمع تسوده قيم العدل والمساواة مجتمع متماسك حر نفتخر بالانتماء له ويفتخر بانتماءنا له مجتمع يتساوى فيه الجميع أمام القانون وأمام الفرص لا مظلوم فيه ولا مغبون ولا محروم ولا معدوم يعيش فيه المرؤ حرا كريما يتمتع بكل حقوقه ويلتزم بما عليه من واجبات.
مجتمع متماسك قوي متحضر فعال منتج يسابق الزمن ليلحق بركاب الأمم ويضيف للحضارة شيئا يتنافس فيه الأخيار ويأخذ كل ذي حق حقه حتى يكون الرجل المناسب في المكان المناسب.
مجتمع مطمئن لا خوف فيه من الحاضر ولا المستقبل متسلح بالعلم والمعرفة يوفر للجميع سكن ملائم وتعليم وصحة بالمجان لا أزمات فيه ولا اخفاقات.
قد تبدو هذه الأمنيات ضربا من الخيال ولكنها ليست بمستحيلة ولكن تحقيقها بحاجة لتظافر الجهود ورص الصفوف والتحلي بالإيمان والصبر والثقة بالنفس والعزيمة على النصر.
في مجتمع كالعراق فيه هذا التنوع في الديانات والمذاهب والقوميات لا حل سوى أن يتم تطويع المجتمع باديء الأمر بالقوة فكل المجتمعات التي كانت يوما ما همجية. وفوضوية ومليئة بالجهل والتخلف والعنف والسلبية قومت بالقوة والثقافة والالتزام بقوانين صارمة حتى صارت جزء من شخصية تلك المجتمعات ف( الطبع يغلب التطبع) وتأخذ القوة أشكالا متنوعة فتارة باستخدام السلاح والسجن لتطبيق القوانين وتارة استخدام الغرامات المالية لمعاقبة المخالفين ونشر ثقافة الالتزام ببنود الدستور (دستور ٱخر لا دستورنا هذا الذي كان سببا وراء كل مصيبة).
يجب أن تتوفر قيادة حكيمةوتتحلى بالشجاعة ولديها رؤية واقعية للمجتمع وتستطيع أن تقوده لبر الأمان وتهذيبه وتجبره على نبذ الممارسات السلبية بكل ما أوتيت من قوة فالشعوب لا تتناغم إلا مع القيادة القوية التي لابد أن تنجح في أداء تلك المهمة إلا بمزج الترغيب مع الترهيب من أجل مصلحة عليا ولا بد من مؤازرة القيادة من قبل الشعب والمهمة تقع على عاتق الأسرة كلبنة أولية وعلى الأسر التدريسية وكافة الفعاليات المؤثرة ومنظمات المجتمع المدني ورجال دين وشيوخ عشائر من أجل محاربة والوقف بوجه الظواهر الشاذة والسلبية وكل ما يعيق المجتمع من الانعتاق نحو القوة والتقدم والموضوع هو مزج للترغيب مع الترهيب من أجل مصلحة عليا.
يبقى السؤال هل نحن على استعداد للتغيير نحو الأحسن ونترك كل ممارساتنا الخاطئة ومفاهيمنا المغلوطة وأزدواجيتنا في تفسير الأشياء والإصرار على ركوب الخطأ بالرغم من قناعتنا وإيماننا أنه خطأ؟!!!
و…لله في خلقه شؤون.